ذكرياتي مع الحرس المطرود
من الأخبار السارة التي سمعتها الأيام الماضية حكم محكمة مصرية بعدم قانونية وجود الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية في التواجد داخل الجامعه وإلزام الجامعه بتشكيل فريق عمل أمني خاص بها يتبعها ويقوم علي حماية وسلامة المنشآت
ومبعث سعادتي هنا عدة أمور:
أولا : أن تعود للجامعه هيبتها واستقلالها وإرادتها وتغيب عنها تلك الوجوه العكره التي تقابلك وتودعك أو قل تفزعك وتهددك
ثانيا : أن يكون للجامعه فريق حقيقي يقوم علي حماية المنشآت من العبث والتخريب ويوجه الإدارة للسلوكات الشائنة والأعمال غير الأخلاقية التي تمارس داخل الحرم الجامعي ( بخلاف الدور الأمني السياسي الوحيد الذي يقوم به حرس الداخلية الآن)
ثالثا : أن يتصرف الطلاب والأساتذه مع تجاوزات الحرس الحالي من منطلق قوة القانون حتي وإن لم تنفذ الداخلية القرار كما هي عادة الداخلية في تكسير القانون ومخالفة الدستور وعدم احترام أحكام القضاء بشهادة العديد من المنظمات الدولية والحقوقية
أما عن الحرس الجامعي وتجاوزاته فلي معها ذكريات
في السنة الإعدادية من كلية الصيدلة كنا ندرس بكلية العلوم المجاورة لكلية الصيدلة في جامعه الزقازيق وكانت نفوسنا تهفو لزيارة كليتنا الأصلية والتعرف علي كل ما فيها خاصة مع خشونة معاملة أهل العلوم لنا بحساسية زائدة
ولكن حرس كلية الصيدلة كان دائما له رأي آخر في التضييق علينا سواء للتجول داخل الكلية أو الصلاة بمسجدها أو حتي التعامل مع شئون الطلاب ورعاية الشباب لدرجة أن البعض فيهم كان يصحب الطلاب حتي المكان الذي يقصده لا لأنه كفيف أو يحتاج دليل ولكن لأنه متهم إلي أن يثبت العكس؟؟
وتوالت الأيام واتضحت الاتجاهات والميول لدي الطلاب وطبعا البقية معروفة فالكل لابد أن يمر عبر سياج الأمن فمنا من يحتضنه الأمن ترحابا واستقصاء عن الأمور والأحوال والجديد ( الطلاب المخبرين كما كنا نسميهم للأسف) ثم يلقي به بعد أن تنضب معلوماته أو يقل دوره أو ينحرف سلوكه بيقظة ضمير
أما نحن طلاب التيار الإسلامي كما كان يطلق علينا فطبعا نحن هدف أمني متحرك 24 ساعة داخل السور وخارجه
فمن لحظة دخولنا من الباب الخارجي للجامعه يرسل حرس البوابة إشارة بوصولنا وخاصة لو كان أحدنا يحمل شيئا معه قد يظن أنه سيستخدم في نشاط أو كانت الفترة ساخنة كانتخابات أو قضايا عامة تشغل المجتمع الطلابي
ونبقي تحت المراقبة والرصد وربما التفتيش وكأننا متهمون طوال ساعات الدراسة
وقد يتطوع الأمن زيادة في الحرص علينا وتأميننا بأن يرسل خلفنا من أفراده المدنيين من يوصلنا إلي بيوتنا أو الوجهه التي نقصدها
وقد يزداد حرصه ليبلغ مداه فيتحفظ علينا في معسكرات الإعتقال أو السجون المختلفة.
ذكريات
عادي جدا في فترات الغلاسة والشد أن تدخل من الباب في ظل تفتيش مكثف لكل الطلاب فيبادرك الحارس بكل بلاهه الكارنيه لو سمحت يا د أحمد فتبادله العبط والغلاسة بابتسامه ساخرة إلا أن بعض الطيبين من إخوتنا وأخواتنا كان يخرج تحقيق هويته الجامعية كلما طلب منه
ذات مرة وكما هو معتاد الأمن أن يزور الانتخابات الطلابية ويقصي المعارضين ويعتقل البعض والتهبت الأجواء في الجامعه نتيجة مذبحة الشطب وقلنا لنفاوض الإدارة علي ترك مساحة للنشاط بدلل التصعيد المتبادل كل عام وتوتر الأجواء وضعف النتائج كمحصلة
وبالفعل صعدت وزميل لمكتب العميد أ . د محمد سلامه وكان شيوعيا أصليا كما يروي عنه وكان بالطبع ذكي ومراوغ وأقل افتضاحا وخنوعا من عمداء الآن فرغم أنه كان يمارس ما يملي عليه إلا أنه كانت لديه مساحة للتفاوض والتصرف وكنت منفعلا جدا
وقلت له: الطلاب في حالة هياج شديد ونحن غير مسئولين عن أي إضرار يتم بالكلية ومنشآتها فهذا نتاج أفعالكم
فنظر لمن حوله وكانوا قائد حرس الكلية و2 آخرين لا أعرفهم - غالبا ضباط أمن دولة - وقال لي: بس اهدأ كده وبلاش تقول كلام يدينك والانفعال مش هيجدي
قلت له : أنا مسئول عما أقول وهذا ما سيحدث
قال لي: طيب انتوا عايزين ايه؟
قلت له : تترك لأسرة النشاط الخاصة بنا المساحة الكافية للعمل والموافقات دون عرقله باق السنة وتترك لنا فرصة لنعبر عن سخطنا جراء ما حصل
فقال لي : ولكم ذلك إلا انني لا اريدكم تشاركوا في أنشطة مع باق الجامعة ولا تجلبوا المظاهرات عندنا لكن افعلوا ما شئتم داخل كليتكم - ان شا الله تقولوا محمد سلامه ده ابن ستين ..... - محدش هيكلمكم
فقلت له ده معرض للشطب يعبر عن آرائنا نريد تعليقه فوقع عليه. ففعل الرجل دون أن يقرأ كلمه واحده
لكنه سأل كم من الوقت ستعلقوه ؟
قلت له يومين . قال لا أسبوع كامل
فقلت له قبل الانصراف لكنا لا نملك أن نمنع الطلبه من المشاركة في انشطه بالجامعه لكنا لن ننظم شيئ بأنفسنا هنا بالكلية وندعوا له باقي الجامعه..ثم تركته وانصرفت
وذات مرة كان لدينا معرض بموافقة من الادارة وفي خلال أيام المعرض نزل بيان باسم الجماعة الاسلامية وكانت إحدي الدفعات أجازة ذاك اليوم فاحتفظنا بكمية البيان الخاص بها داخل حاجيات المعرض وكنا نحتفظ بها في دواليب معامل الكلية نهاية كل يوم دراسي ونعيدها في الصباح وكانت فرق العمل في كل دفعة تتناوب الاشراف علي المعرض ولما كنا نحن في الفرقة الثانية من أشرفنا علي المعرض ذلك اليوم وبالتالي خبأنا البيان بحقيبة حتي اليو م التالي وعند دخولي من الباب الرئيس للجامعه صباح اليوم التالي وجدت أخ - محمد فكري من دفعة ثالثة - يقوم بفتح محتويات المعرض للحرس من باب تأكيد أنه ليس بها شيئ وهو لا يعلم من أمر البيان شيئا
فأسرعت للحاق بهم وبالفعل أمسكت بالحقيبة ورفضت تفتيشها بدعوي أن هذا إجراء سخيف ومتكرر يوميا ثم إننا سنخرج محتويات المعرض كله خلال خمس دقائق وعلي بعد 10 أمتار من الباب ومن يريد أن يشاهد شيئ فليأت ليراه بالمعرض ولكن الحراس أصروا علي التفتيش وأصررت علي الرفض في ظل استغراب من زميلي؟؟ وكانت معركة شد وجذب وتدافع لعدم فتح الحقيبة بعد ان تجمع كل حرس كليتي العلوم والصيدلة ورئيسي الحرس من الضباط واستدعي الأمر استدعاء وكيل الكلية لشئون الطلاب أ .د محمد عبد العال حسب طلبي لفتح الحقيبة أمامه
وبالفعل حضر ورفضت أن يضع أحد يده داخل الحقيبة وقمت أنا بعرض محتوياتها لكن بعد عرض كل عنصر أعيد إدخاله للحقيبة وطبعا مفهوم أني لم أخرج البيان.. وأدين الحرس أمام تجمع الناس لسوء تعاملهم معنا وتم توزيع باقي البيان لكن في الليل كانت حملة اعتقالات بالجامعه وطبعا كان منهم صديقي الحبيب محمد فكري -ربنا يتقبل - وفوجئ الحرس في اليوم التالي أني ما زلت موجودا مما دعا أحدهم يبادرني بالقول ( والله كان المفروض يعتقلوك انت )
المهم الحكايات كثيرة وأليمة مع حرس جامعي لا يعرف دوره ولا يمارسه ولكنه بمثابة جنود الأمن المركزي الذين يرددون الصيحات وينفذون الأوامر
فالواحد كان أحيانا يشفق عليهم وأخري يغلظ لهم القول وكثيرا ما يتجاهلهم حتي لا يعطلونا
أما هم أظنهم كانوا يحترموننا من داخلهم خاصة عندما تكون القضايا العادلة والأنشطة واضح فيها العمومية ومصلحة الأمة
كان أكثر ما يغيظهم كلام بعض الإخوة وتشبيههم لهم بالبوابين وفقط إمعانا في كسر نفسياتهم خاصة عندما يتطاولوا علي الطلاب
وكان أكثر ما يزعجهم هو فضح أسماءهم بممارسات محددة وربما نشر لصورهم لأن الانسان المحترم أو من يتصنع ذلك يعف عما كانوا ومازالوا يقومون به أمام ذويهم ومن يعرفونهم وهي وسيلة ضغط يجب أن تستثمر عساها تردع من بقي له من نخوة أو ضمير
الحقيقة وللانصاف هذه التجاوزات العامة لها استثناءات ويجب أن نذكر أن الأغلبية منقادة وممارسة للبطش والسوء - تحت دعوي انهم عبيد المأمور ولا أدر هل تتنافي هذه العبودية مع العبودية لله ومحاربة دعوته أم كيف يسوغون الأمر لأنفسهم أم أن القضية باتت لا تشغلهم؟؟ لكن ما زالت هناك فئة متماسكة علي الأقل تحاول أن تبتعد عن أماكن الظلم والبذاءة
في النهاية وقبل نشر كلماتي اطلعت علي تصريح لكبير الأمنيين الجامعيين - وزير التعليم العالي طبعا - بتشكيل لجنة لتقنين ودسترة وجود الحرس الجامعي داخل الجامعة بتقديم مشروع قانون جديد للبرلمان ومتابعة الاستشكال الذي طعنت به جامعه القاهرة علي القرار التاريخي للمحكمة
لكن في النهاية يبقي حكم المحكمة مفخرة للقضاء وقوة للمجتمع الجامعي وشعاع نور وسط ظلام الطغيان والانهيار الذي يلف الحياة العامة في مصر